منذ انتقاله إلى صفوف تشلسي الإنكليزي
أصبح دروغبا أحد أبرز نجوم "ماما أفريكا" الذين ينشطون خارج القارة
السمراء، ومع زيادة إشعاعه الدولي زادت آمال الشعب الإيفواري على ابنه
"الرقم 1" وسفيره الأول في سماء الساحرة المستديرة، وتحمل ديديه مسؤولية
قيادة فريق يعج بالنجوم ليقوده إلى المجد الضائع عن كوت ديفوار منذ 1992
عام توج "الأفيال" بكأس أمم إفريقيا.
بعد موسم ناجح مع مرسيليا قاد فيه "الفيل
الإيفواري" فريق الجنوب الفرنسي إلى نهائي كأس الاتحاد الأوروبي سنة 2004
التقطت عدسة المدرب البرتغالي لتشلسي الإنكليزي آنذاك جوزيه مورينيو، موهبة
ابن أبيدجان ودفع مالك تشلسي رومان أبراموفيتش مبلغاً قياسياً (45 مليون
دولار) للفوز بخدمات المهاجم الفذ، ومنذ ذلك التاريخ تغيرت حياة ديديه
دروغبا وبات واحداً من أكبر النجوم في القارة الأوروبية.
انتقال دروغبا إلى واحد من أقوى دوريات
كرة القدم في العالم وإلى فريق يعد من أغلى الفرق عالمياً غير حياة ديدييه
فبعد سنوات الفقر والعذاب في أحياء أبيدجان الفقيرة وسنوات القهر على نيل
فرصة البروز في فرق من الصف الثاني في فرنسا بات ديدييه يفيس دروغبا تيبلي
واحداً من أغلى اللاعبين الأفارقة وأشهر نجوم الساحرة المستديرة في إنكلترا
والعالم.
لم ينتظر طويلاً ليثبت أحقيته في اللعب
ضمن صفوف فريق كبير مثل تشلسي، وتمكن من تسجيل 16 هدفاً في أول مواسمه مع
"البلوز" وقاده إلى إحراز لقب الدوري الإنكليزي الذي غاب عن خزائن النادي
اللندني أكثر من خمسين عاماً, ومنذ ذلك العام أصبح أبرز نجوم الفريق على مر
التاريخ حيث حصد 12 لقباً مع "أسود لندن" كان ختامها أمجد الكؤوس
الأوروبية التي لطالما حلم بها دروغبا وفاز بها الموسم الماضي، ومع نهاية
مسيرته مع النادي اللندني اختار جمهور الفريق الأزرق دروغبا ليكون أفضل
لاعب في تاريخ النادي في استفتاء شمل مشجعي الفريق.
على الصعيد الشخصي فاز دروغبا بالكثير من
التتويجات والألقاب الفردية أبرزها تتويجه بلقب أفضل لاعب في إفريقيا لعامي
2006 و 2009، وأفضل لاعب في تاريخ تشلسي، ألقاب زادت إشعاع الجوهرة
الإيفوارية وثبتته واحداً من أفضل ما أنجبت القارة السمراء على مر تاريخها
المشرق بنجوم أوفياء لأصولهم وبيئتهم رغم قسوتها.
مثل دروغبا في أهله كمثل أسطورة القارة
جورج وياه الذي فعل كل شيء في أوروبا واستدعاه مجد القارة العجوز ليكون
أبرز ضيوفه ونجم أساطيره في عام 1995عندما أصبح أول إفريقي يفوز بالكرة
الذهبية لأحسن لاعب في العالم، لكن حكاية وياه مع بلده ليبيريا لم تكن كما
يتمنى فقد فعل المستحيل من أجل دفع منتخب بلاده إلى صفوة منتخبات القارة
لكنه أخفق في كل محاولاته وانتهت مسيرة الأسطورة دون أن يفتكّ لبلاده
مكاناً بين الكبار.
إرث ثقيل تركه الأسلاففي عام 1992 قاد الحارس الأسطورة لكرة
القدم الإفريقية ألان غواميني منتخب بلاده كوت ديفوار إلى الفوز بكأس أمم
إفريقيا لأول مرة في تاريخه مع مجموعة من الأسماء التي حفظتها ذاكرة كرة
القدم الإيفوارية أمثال يوسوفو فوفانا و جويل تييهي وعبدولاي تراوري
ودونالد سيي، ومنذ ذلك التاريخ غابت الإنجازات عن خزائن "الأفيال" ورغم
المشاركات العديدة في أمم إفريقيا إلا أنهم باتوا ضمن فرق الصف الثاني
وأحياناً لا يتأهل المنتخب إلى المسابقة القارية كما حصل في نسخة 2004 التي
احتضنتها تونس.
انضم دروغبا إلى منتخب بلاده في عام 2002،
وانسحب الفريق منذ الدور الأول للبطولة القارية التي استضافتها مالي ثم
غاب "الأفيال" عن نسخة 2004، ومع اكتساب الثقة وازدياد الشعور بمسؤولية
قيادة أبرز المنتخبات الإفريقية، بدأ ديدييه التأقلم مع المهمة القيادية
التي ألقيت على عاتقه، وتحسنت نتائج الإيفواريين من مسابقة لأخرى حيث إنهم
منذ عودتهم إلى المشاركة بانتظام في "الكان" كان الأفيال رقماً صعباً في
البطولة بفضل ترسانة من النجوم والمواهب التي تؤثث تشكيلة كوت ديفوار.
من منطلق نجوميته الساحقة ونجاحه الملفت
في تجربته الأوروبية خاصة مع تشلسي الإنكليزي، يلقي الشعب الإيفواري بعبء
تتويج بلاده بكأس أمم إفريقيا للمرة الثانية في التاريخ على ابنه المدلل
دروغبا الذي لم يتنكر لبلاده يوماً ولبى نداء المنتخب في كل المناسبات التي
تم استدعاؤه فيها، عكس بعض النجوم الأفارقة الذين اختاروا البقاء في
أوروبا على شرف رسم البسمة على محيا شعوبهم الفقيرة التي تنتظر دائماً
الفرح من بوابة أبنائها المتألقين في سماء الساحرة المستديرة.
خيبات متتالية وديدييه يتشبث بالأملفي عام 2006 وصل المنتخب الإيفواري إلى
نهائي البطولة، حين كان دروغبا في عنفوان مسيرته الكروية، واختارت الأميرة
الإفريقية البقاء في ضيافة الأهرامات المصرية على الإقامة في أحياء أبيدجان
البسيطة التي لم تخفِ شوقها إلى سحر كأس "ماما أفريكا" وانهزم زملاء
دروغبا في المباراة النهائية بركلات الترجيح التي كان الحارس المصري عصام
الحضري أبرز أبطال الفرح فيها وديدييه أبرز أبطال دراما كرة القدم
الإيفوارية بإضاعته الركلة التي غيرت وجهة الأميرة السمراء من أبيدجان إلى
القاهرة.
نسي دروغبا والإيفواريون المتفائلون
بطبعهم خيبة 2006 وذهبوا إلى غانا لمحو الذاكرة السيئة التي تركتها نسخة
القاهرة، ودخل أحفاد ألان غوامينيه بطولة 2008 بإصرار كبير على استدراج
الأميرة السمراء إلى أبيدجان لكنهم اصطدموا في نصف النهائي بمنتخب مصري
يعيش أبهى فتراته على الصعيد القاري فخسر دروغبا ويايا و كوني وبقية
الترسانة الإيفوارية معركتهم أمام الفراعنة الذين أضافوا النسخة الثانية
على التوالي والسادسة في تاريخهم القاري.
مع مرور السنوات وتقدمه في السن انتظر
الجميع أن ترهق الإخفاقات دروغبا، لكن سيّد كرة القدم الإيفوارية لم يرمِ
المنديل ولم يخذل الحناجر التي ساندته ولازالت تشعر بالفخر لانتمائه إليها،
وظل صامداً أمام كبرياء "ماما أفريكا" فحاول من جديد في أنغولا 2010، لكنه
لاقى المصير نفسه وخرجت كوت ديفوار أمام العنفوان الجزائري في مباراة
درامية انتصر فيها "محاربو الصحراء" 3-2 بهدف قاتل لعامر بوعزة في الدقيقة
93.
عادت كوت ديفوار من جديد إلى أمم إفريقيا
وعاد معها الزعيم دروغبا الذي مازال يرى في منتخب بلاده بطلاً للقارة
السمراء يوماً ما، ففي نسخة الغابون وغينيا الاستوائية اكتسحت أفيال كوت
ديفوار كل المنتخبات التي اعترضتها في طريقها إلى المجد الإفريقي، ولم
تتعطل الآلة الإيفوارية حتى بلوغها نهائي البطولة حين اصطدمت بالمنتخب
الزامبي الذي فرض أسلوبه الجماعي على النسخة الثامنة والعشرين وخطف اللقب
من المرشح الأول للتربع على عرش القارة بفضل ضربات الترجيح التي برز فيها
دروغبا من جديد بركلته الشهيرة التي حلقت بالكرة فوق مرمى الحارس الزامبي
مويني وطارت معها أحلام دروغبا والإيفواريين بعيداً عن منصات التتويج
الإفريقية.
إخفاقات بالجملة عاشها دروغبا مع منتخب
بلاده لكنها لم تفقده الأمل في الجلوس على العرش الكروي للقارة السمراء،
ليعود ديدييه وزملاؤه من جديد إلى منافسات البطولة المتمنّعة من أجل رسم
البسمة أخيراً على محيا الشعب الإيفواري، بعد سنوات من الصبر وتقديم
الولاءات للجميلة الإفريقية علّها ترضى الإقامة في أبيدجان بعد 21 عاماً من
الترحال في أرجاء القارة السمراء.
كوت ديفوار وضعتها قرعة النسخة التاسعة
والعشرين من كأس أمم إفريقيا في المجموعة الرابعة مع منتخبات تتمتع بتقاليد
كبيرة في المسابقة القارية خاصة منتخبي تونس والجزائر إضافة إلى المنتخب
التوغولي الذي يقوده نجم إفريقي آخر في سماء القارة الأوروبي وهو إيمانويل
أديبايور، فهل سيتوّج دروغبا الرائع بكأس إفريقيا بعد عناء طويل في فرصة قد
تكون الأخيرة لديدييه بفعل عامل السن؟ أم أنه سيواصل مطاردة المجد الضائع
في سماء القارة السمراء؟