بسم الله الرحمن الرحيم ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,إن من السنن الكونية وقوع آلبلاء على المخلوقين اختباراً لهم, وتمحيصاً لذنوبهم , وتمييزاً بين الصادق والكاذب منهم
قال الله تعالى ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)
وقال تعالى( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)
و قال تعالى( الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عظم الجزاء مع عظم البلاء،
وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وقال حديث حسن.
وأكمل الناس إيمانا أشدهم إبتلاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلباً اشتد به بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة. أخرجه الإمام أحمد وغيره.
أيها الأخوة المؤمنون: الإمام الشافعي رحمه الله تعالى سئل مرة: أندعو الله بالتمكين أم بالابتلاء؟ فقال: لن تُمكّن قبل أن تبتلى.
الأمور لا تجري في الدنيا على ما تشتهي، لأن الله سبحانه وتعالى جعلك في الدنيا كي يمتحنك.
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وهُوَ العَزيزُ الغَفورُ ﴾
[ سورة الملك]
إذاً أنت ممتحن، ممتحن في صحتك، ممتحن في زواجك، ممتحن في أولادك، ممتحن في جيرانك، ممتحن في كسب مالك، وما من مسلم على وجه الأرض إلا وعنده مواد امتحانية، فما وهبك الله إياه هو مواد امتحانك، وما زواه عنك هو مواد امتحانك، فقد تمتحن بالقوة إذا كنت قوياً، وقد تمتحن بالمرض إذا كنت مريضاً، فعلينا أن نوطن أنفسنا أن هذه الدنيا دار ابتلاء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي.
الأمور لا تجري في الدنيا كما يشتهي الإنسان لأن الدنيا دار امتحان :
قد ينجح الإنسان في امتحان الرخاء ولا ينجح في امتحان الشدة، والإنسان حينما تزوي عنه الدنيا، وحينما يضعف، وحينما يبتلى، قد ينقله هذا الابتلاء إلى حدّ الهوان، وحينما يقوى ويغنى قد تنقله القوة والغنى إلى حدّ الطغيان، الإنسان حينما يرى أنه مستغنٍ عن الله بوهمه طبعاً فيطغى:
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى*أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى ﴾
[ سورة العلق
يقول هذا الإنسان وقد يكون مخطئاً:
﴿ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾
[سورة الفجر]
يتوهم الإنسان أن الغنى إكرام، وأن القوة إكرام، وأن الوسامة إكرام، وأن الذكاء إكرام، وقد يتوهم أيضاً أن الفقر والضعف والمرض ابتلاء وإهانة، فجاء الجواب الإلهي رادعاً: " كَلَّا " كلا أداة ردع وليست أداة نفي فقط، " كَلَّا " أي يا عبادي ليس عطائي إكراماً ولا منعي حرماناً؛ عطائي ابتلاء وحرماني دواء.
على الإنسان أن يراجع نفسه إذا جاءت الأمور على غير ما يريد :
لذلك الآن موقف المؤمن من مصائب الدنيا يقول عليه الصلاة والسلام:
(( لِيَسْتَرْجِعْ أحَدُكُمْ فِي كُلِّ شَيْء ))
[رواه ابن السني عن أبي هريرة رضي الله عنه]
أي ليراجع نفسه، يسأل أين الخلل؟ أين الذنب؟ أين الخطأ؟ أين التقصير؟ أين المخالفة؟
أنت لا تتهم الآخرين إن ابتلاهم الله بشيء بالتقصير فهذا سوء أدب مع الله، لكن بالغ باتهام نفسك إذا جاءت الأمور على غير ما تريد، بالغ، الله غني عن تعذيبنا.
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾
[ سورة النساء الآية: 147 ]
﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾
[سورة الشورى ]
من يقع في مصيبة عليه أن يسأل الله أن يهديه إلى سببها :
(( لِيَسْتَرْجِعْ أحَدُكُمْ فِي كُلِّ شَيْء ))
[رواه ابن السني عن أبي هريرة رضي الله عنه]
ليرجع إلى الله، ماذا فعلت؟ لماذا حلّ بي ما حلّ بي؟ وحينما تسأل الله أن يهديك إلى سبب هذه المصيبة فالله يهديك، قال تعالى:
﴿ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾
[ سورة التغابن الآية: 11]
أي هذه المصيبة جاءتني من ربي، وليس من جهة أخرى لأنه لا شريك له، هذه المصيبة جاءتني من ربي، وكلمة رب يعني المربي، كلمة رب تذكر بالأم، قد تمنع الطعام عن ابنها، الأم الرحيمة العالمة قد تحرم ابنها أطيب الطعام إذا كان يؤدي به إلى مرض وبيل
من جاء أمره على خلاف ما يشتهي فليتهم نفسه :
إذاً حينما قال الله عز وجل:
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
[ سورة محمد الآية: 19 ]
الأمر بيد الله، هو الذي يعطي، هو الذي يأخذ، هو الذي يرفع، هو الذي يخفض، هو الذي يعز، هو الذي يذل، ما بعد هذه الآية؟
﴿ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ﴾
[ سورة محمد الآية: 19 ]
إن جاءت الأمور على غير ما تريد استغفر لذنبك، الأمر بيد الله والله عز وجل عادل.
((يا عِبادي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُـِمْ كانُوا على أتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ لَمْ يَزِدْ ذلكَ في مُلْكي شَيْئاً؛ يا عِبادِي ! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كانُوا في صَعيدٍ وَاحدٍ فَسألُونِي فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسانٍ مِنْهُمْ ما سألَ لَمْ يَنْقُصْ ذلكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً إِلاَّ كما يَنْقُصُ البَحْرُ أنْ يُغْمَسَ المِخْيَطُ فِيه غَمْسةً وَاحدَةً ؛ يا عِبادي ! إنَّما هِيَ أعْمالُكُمْ أحْفَظُها عَلَيْكُمْ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزَّوَجَلَّ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ))
[ أخرجه مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ]
من ازداد عقله ازداد خوفه من الله عز وجل
وكلما ازداد عقلك ازداد خوفك، وكلما ضعف عقلك وضعف إيمانك قلّ خوفك.
لابدّ من أن يجتمع في قلب المؤمن تعظيم لله ومحبة له وخوف منه :
قد يأتي غضب الله فجأة، ولله عز وجل سياسة مع عبادة، قد يرخي لهم الحبل فيأكلون، ويشربون، ويتمتعون، ويصخبون، ويضحكون، ويتنزهون، ويتكبرون، ويتغطرسون، وفي ثانية واحدة يشد الحبل فإذا هذا الإنسان في قبضة الله، قد يأتي مرض عضال لا تنام الليل،
((اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك ومن فجأة نقمتك ومن جميع سخطك ))
[أخرجه مسلم من حديث ابن عمر ]
سيدنا موسى قال: يا رب تعلم إني أحبك وأحب من يحبك فكيف أحببك إلى خلقك؟ قال: ذكرهم بآلائي ونعمائي وبلائي، ذكرهم بآلائي كي يعظموني،
قال الله سبحانه وتعالى ) إِنَّا خَلَقْنَا الأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً ( (1).
وقال الله سبحانه وتعالى ) تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ( (2) .
وقال الله سبحانه وتعالى ) إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ( (3) .
فالله عز وجل قد اقتضت حكمته أن يبتلى الرسل بأممهم ، والأمم برسلهم ، والحكام بالمحكومين ، والمحكومين بالحكام ، والقوى بالضعيف ، والضعيف بالقوى ، والغنى بالفقير ، والفقير بالغنى ، والصحيح بصحته ، والمريض بمرضه ، والزارع بمزرعته ، والتاجر بتجارته ، والصانع بصناعته .. الخ . فالكل مبتلى كلٌ على قدر دينه . فعن سعد رضي الله عنه قال : سُئل النبى صلى الله عليه وسلم : أى الناس أشد بلاءاً ؟ قال : " الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان صلباً في دينه اشتد بلاؤه ، وإن كان في دينه رقه هون عليه ، فمازال كذلك حتى يمشى على الأرض ماله ذنب " ( رواه الترمذى في الزهد ، وابن ماجة ، والدارمى ، وقال الترمذى هذا حديث حسن ) (4) .
فطريق الدعوة هو طريق الإبتلاء فالنبى صلى الله عليه وسلم قبل الدعوة وهو في العبادة في غار حراء يتعبد .. قالوا عنه الصادق الأمين .. لكن لما جهر بالدعوة قالوا ( ساحر ، مجنون ، كذاب ، كاهن .. ) .
* الذهب قبل وضعه في الفاترينة لابد له أن يوضع أولاً في النار .
* فالابتلاء مادة الاختبار لأهل الإيمان .
* والابتلاء للمنافق يجعله كعود الكبريت المضىء سريع الإطفاء إذا جاءته الريح.
* والبلاء للمؤمن يجعله كالنار في الغابة كلما جاءتها الريح تزداد اشتعالاً .. وهذا يعنى أنه كلما يأتى المؤمن البلاء يزداد إيماناً على إيمانه وفي هذا يقول الرسول المصطفي الكريم صلى الله عليه وسلم " مثل المؤمن مثل السنبلة تستقيم مرة وتخر مرة ، ومثل الكافر مثل الأرزة لا تزال مستقيمة حتى تخر ولا تشعر " ( رواه الإمام أحمد عن جابر ) (6) .
* وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله ، ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء ، ومثل المنافق كمثل شجرة الأرزة لا تهتز حتى تستحصد " ( متفق عليه ) (7) .
وللبلاء صور مختلفة :
قال الله سبحانه وتعالى ] وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [ (8) . فالصلوات والرحمة والهداية بعد الإبتلاء والصبر .. فمن صور الابتلاء ( الخوف ) كما في الأحزاب :
أخرج الحاكم و البيهقى عن عبد العزيز ابن أخى حذيفة رضي الله عنه قال : ذكر حذيفة رضي الله عنه مشاهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال جلساؤه : أما والله لو كنا شهدنا ذلك لكنا فعلنا وفعلنا فقال حذيفة رضي الله عنه : لا تمنوا ذلك لقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافون قعود وأبو سفيان ومن معه فوقنا وقريظة اليهود أسفل منا نخافهم على ذرارينا وما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة ولا أشد ريحاً منها في أصوات ريحها أمثال الصواعق وهى ظلمة ما يرى أحدنا إصبعه فجعل المنافقون يستأذنون النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ويقولون أن بيوتنا عورة وما هى بعورة فما يستأذنه أحد منهم إلا أذن له ويأذن لهم ويتسللون ونحن ثلاثة مائة ونحو ذلك إذا استقبلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً .. رجلاً حتى أتى علىَّ وما على جنة من العدو ولا من البرد إلا مرط امرأتى ما يجاوز ركبتى قال : فأتانى وأنا جاثٍ على ركبتى فقال من هذا ؟ فقلت حذيفة ، فقال : حذيفة ، فتقاصرت للأرض قلت : بلى يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كراهية أن أقوم فقمت فقال : وأنا من أشد الناس فزعاً وأشدهم قراً قال : فخرجت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته قال : فو الله ما خلق الله فزعاً ولا قراً إلا خرج من جوفي فما أجد فيه شيئاً .
قال : فلما وليت قال : يا حذيفة لا تحدثن في القوم شيئاً حتى تأتينى قال : فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم نظرت ضوء نار لهم توقد وإذا رجل أدهم ضخم يقول بيديه على النار ويمسح بخاصرته ويقول الرحيل .. الرحيل ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك فانتزعت سهماً من كنانتى أبيض الريش فأضعه في كبد قوس لأرميه به في ضوء النار فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحدثن فيهم شيئاً حتى تأتينى فأمسكت ورددت سهمى إلى كنانتى ثم إنى شجعت نفسى حتى دخلت العسكر فإذا أدنى الناس منى بنو عامر يقولون : يآل عامر الرحيل .. الرحيل لا مقام لكم وإذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبراً فو الله إنى لأسمع صوت الحجارة في رحالهم وفرشهم تضرب بها ثم إنى خرجت نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انتصفت بى الطريق أو نحو من ذلك إذ أنا بنحو من عشرين فارساً أو نحو ذلك معتمين ، فقالوا أخبر صاحبك أن الله قد كفاه فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشتمل في شملة يصلى فو الله ما عدا أن رجعت راجعنى البرد وجعلت أقرقف فأومأ إلىًّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فدنوت منه فأسبل على شملته وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى فأخبرته خبر القوم أخبرته أنى تركتهم وهم يرحلون قال وأنزل الله تعالى : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً .. إلى قوله تعالى .. وَكَفي اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً [ (9) .
( كذا في البداية ج 4 / 114 وأخرجه أبو داود وابن عساكر ) (10) .
ومن صور الإبتلاء ( الجوع ) الذى مر به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أخرج أبو نعيم في الحلية عن سعد رضي الله عنه قال : كنا قوماً يصيبنا ظلف العيش بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشدته فلما أصابنا البلاء اعترفنا لذلك ومرنَّا عليه وصبرنا له ولقد رأيتنى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة خرجت من الليل أبول وإذا أنا أسمع بقعقعة شئ تحت بولى فإذا قطعة جلد بعير فأخذتها فغسلتها ثم أحرقتها فوضعتها بين حجرين ثم أستفها وشربت عليها من الماء فقويت عليها ثلاثاً (11) .. ومن أراد الاستزادة فعليه بكتاب .. حياة الصحابة رضي الله عنهم فهو مليئ بقصص جوع الصحابة الكرام رضي الله عنهم وهى أكثر من أن تحصى .
ومن صور البلاء ( نقص الأموال ) :
أخرج البيهقى عن أبى عمران رضي الله عنه قال غزونا المدينة يريد القسطنطينية ، وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد والروم ملصقوا ظهورهم بحائط المدينة فحمل رجل على العدو فقال الناس مه مه لا إله إلا الله يلقى بيده إلى التهلكة فقال أبو أيوب رضي الله عنه إنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام قلنا : هلم نقيم في أموالنا ونصلحها فأنزل الله سبحانه وتعالى ) وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ( (12) فالإلقاء بأيدينا إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد . قال أبو عمران : فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية (13) .
وهذا دليل على أن الصحابة رضي الله عنهم بسبب انشغالهم بالدين جاءهم النقص في الأموال والأنفس فصبروا وابتلوا بالجوع والخوف فصبروا .
ومن صور البلاء ( الابتلاء في الجسد بالمرض وفقد الأولاد ) :
- مثل سيدنا أيوب عليه السلام :
كان سيدنا أيوب عليه السلام كثير المال من سائـر صنوفه وأنـواعه مـن
الأنعام والعبيد والمواشى والأراضى المتسعة وكان له أولاد كثير فسلب منه ذلك جميعه وابتلى في جسده بأنواع من البلاء ولم يبق منه عضو سليم إلا قلبه ولسانه يذكر الله عز وجل بهما وهو في ذلك صابر محتسب ذاكر الله عز وجل ليله ونهاره وصباحه ومسائه (14) .
فنادى ربه .. ] وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [ (15) وقال تعالى ] وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ *ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ[ (16) .
- ومثل عروة بن الزبير :
عن نافع بن ذؤيب قال : لما قدم عروة بن الزبير على الوليد بنعبد الملك فخرج برجله الأكلة فبعث إليه يعنى الوليد بالأطباء فأجمع رأيهم إن لم ينشروها قتلته ، فقال : شأنكم بها . قالوا : نسقيك شيئاً لئلا تحس بما نصنع قال : لا شأن لكم بها . فنشروها بالمنشار فما حرك عضو عن عضو وصبر ، فلما رأى القدم بأيديهم دعا بها فقلبها في يده ثم قال أما والذى حملنى عليك أنه ليعلم انى ما مشيت بك إلى حرام أو قال معصية .
وفي رواية أخرى عن هشام بن عروة :
قيل فقطعت وإنه لصائم فما تضور وجهه قال : ودخل ابن له أكبر ولده اصطبل فرفسته دابة فقتلته فما سمع من أبى في ذلك شئ حتى قدم المدينة ، فقال اللهم إنه كان لى بنون أربعة فأخذت واحداً وأبقيت ثلاثة فلك الحمد وكان لى أطراف أربعة فأخذت واحداً وأبقيت ثلاثة فلك الحمد وإيم الله لئن أخذت فلقد أعطيت ولئن ابتليت طالما عافيت (17) .
ومن صور البلاء أيضاً : ( الإبتلاء بالنعم ) :
قال الله عز وجل ) فَأَمَّا الأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ( (18) .
وقال سبحانه وتعالى ) وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ( (19) .
فلابد أن يبتلى الإنسان بما يسره وما يسوؤه ، فالنعم من الله عز وجل يظهر بها شكر الشكور وكفر الكفور …
فسيدنا سليمان عليه السلام عندما رأى عرش بلقيس عنده قال ) هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ( (20) .
يقول الشيخ محمد عمر البلامبورى – رحمه الله -
متى يعرف أنه ابتلاء لترقية العبد ومتى يعرف أنه ابتلاء عذاب ونقمة ؟ إذا كان الابتلاء بعد الطاعة وامتثال الأوامر فهو نعمة لترقية العبد ، أولاً يأتى المشقة ثم يأتى الراحة. أما إذا جاء الابتلاء بعد المعصية مثل فرعون ) أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلاتُبْصِرُونَ [ (23) . وقارون ] قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ( (24) كانا أولاً في الراحة ثم أتى عليهما المشقة .
وقيل .. وُكِلَ البلاء بالولاء حتى لا يُدعى ..
فالذى يقول أنا مؤمن .. أنا موحد أنا مجاهد يأتيه البلاء .
قال تعالى : ) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ( (25) .
لذلك يأتى الاختبار من الله عز وجل ) الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ( (26) .
وقال تعالى ) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ * وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ ( (27) .
ولذلك جعل الله عز وجل الميزان هو الجهد .. قال تعالى
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ( (28) وقال تعالى : ) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ( (29) وقال تعالى
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ( (30) .
ويقول ابن القيم رحمه الله :
.. البلاء لابد له من صبر … والصبر ثلاثة أنواع بها يكتمل الصبر :
* حبس النفس عن التسخط بالمقدور .
* حبس اللسان عن الشكوى .
* حبس الجوارح عن المعصية ( كلطم الخدود ، وشق الجيوب ، ودعوى الجاهلية) .
فإذا صبر الإنسان صارت المحنة منحة .. والبلية عطية .. والمكروه محبوب .. فالله عز وجل ما امتحنه ليهلكه ولكن امتحنه ليختبر صبره وعبوديته فإن لله عز وجل عبودية في السراء وله عبودية في الضراء وله عبودية على العبد فيما يكره كما له عبودية فيما يحب ، وأكثر البشر يعطون العبودية فيما يحبون ولكن تتفاوت المنازل عند الله (31) .
والابتلاء … لماذا ..؟
1) ليميز الله سبحانه وتعالى الخبيث من الطيب ..
2) للإختبار : قال تعالي : )وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ((33) وقال تعالي : )وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ( (34) {}
3) والله يبتلينا لنرجع إليه بالتوجه والدعاء والذل والمسكنة " اللهـم إنـى أشكو إليك ضعف قوتى وقلة حيلتى .. الخ " . والصبر على محن الدنيا أهون من الصبر على محن النار
* فالذى يريد الدين بدون أحوال كالذى يريد العوم والسباحة بدون أن يبتل والذى يريد الملاكمة بدون أن يلمسه .احد
*
.
*
. مجموعة دروس مع التصرف اردت ان اضعها بين ايديكم لعل الله ينفع بها